إن
من الخطإ اليوم ونحن نتحدث عن خدمة مذهب البلاد لضمان وحدتها، وتوحيد منهج
التفقه في دينها، والحفاظ على نسيجها الاجتماعي والنفسي؛ أن نفصل بين
الحركة العلمية المذهبية والحركة الدعوية، فنعد إعادة هيكـلة المؤسسات
العلمية و تنظيم مجال الفتوى-مع أهميته- كاف لوحده في تحقيق ذلك.
إن ما تتعرض له البلاد الإسلامية اليوم من هجمات شرسة تمس الوعي الديني
للأمة، وتضرب في عمق وجدانها التربوي، وتفسد صفاء فطرتها وتسلبها هويتها
العربية والإسلامية وتهدد أمنها الروحي وانتماءها الديني أشبه بمعركة تدور
رحاها على الإنسان صورة ومعنى ، طينا وروحا، شعورا وسلوكا ؛ معركة
لا تهدد المذهب وحسب، بل تهدد دين الأمة وثوابتها العقدية والعملية
،إنها قضية حفظ الدين التي تعتبر من كليات الإسلام الواقعة في أعلى رتب
المقاصد الدينية وأصول المصالح الشرعية، والأساس الذي تنبني عليه وحدة
البلاد الدينية والمذهبية، قضية هي من أوجب الواجبات وآكدها على كل حركة
مذهبية، قضية تتجاوز كل رؤية مذهبية جزئية أو نظر فقهي تفصيلي لمن كان له
أدنى علم بمراتب الأمورأو بصيرة بفقه الأولويات ، إذ كيف نتحدث عن حفظ
المذهب وخدمته إذا اندرست ثوابت الدين وانخرمت أمهات الفضائل، وضاع الإحساس
بقيمة الانتماء للإسلام، وصار المعلوم من الدين بالضرورة كاللامعلوم،
وتعلقت القلوب والمشاعر بولاءات غير ولاءات الإسلام أهله.
إذا كانت القضية باختصار هي قضية حفظ الدين التي تضافرت على قطعيتها
مالايحصى من نصوص الكتاب والسنة النبوية، فإن واجب الأمانة والشهادة يفرض
يقظة استعجاليه تقوم على بذل الجهد واستفراغ الوسع لبناء الحركة الدعوية
وتجديد سيرها على منهج القرآن ليعيد إليها حياتها وينفخ فيها من روحه
وتهتدي بعلاماته وتقتبس من أنواره وتسترشد ببياناته، وتلمس من روعة خطابه
الرباني الذي يضفي على القلوب صبغة وجدانية جمالية توصل الخلق بالخالق
والأرض بالسماء والدنيا بالآخرة.
إن القرآن والقرآن وحده لو أخذ بشرطه كفيل بإعادة نفخة الروح إلى هذا
الطين حتى يكتمل استواءه خلقا مكرما، وتثبيت صلته بمعاني الدين وقيمه
الكلية، والارتقاء به من درجة العبودية الاضطرارية إلى مقام العبودية
الاختيارية ، ولتصنع فيه آيات الله ما صنعته في الجيل الأول حيث لم تنطلق
جهود التربية النبوية ومجالس الدعوة وحركاتها إلا مسترشدة بآيات الكتاب
التي أعادت صناعة الإنسان على عين الله ،وجددت سيره على صراطه ، فأنطقت
فطرته، وأسمعته نداء خالقه، وأبصرته بحقائق الوجود، وأقامت في نفسه معاني
الدين، وأذاقت قلبه حلاوة الإيمان وطعم الصلة بالله،ولذة الأنس به، وعرجت
به في مدارج السالكين ومنازل المؤمنين.
ذلك كان صنع آيات الله في الخلق وما يزال!
وذلك كان منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومايزال!
وذالك كان منهج ورثته من أهل العلم والفضل وما يزال!
فما بعد العلم إلا العمل!
محبكم في الله
هشام ولشكر
الوسومArticle تجارب فيديو كاتب