الرئيسية / رسالة الأسبوع / مجالس القرآن الأسرية

مجالس القرآن الأسرية

أنتما أيها الزوجان أو الأبوان، عندما تختل موازين الحياة بينكما داخل البيت، وتضطرب شؤونه، ولا يستقيم بناؤه، فلا تصفو المودة، ولا تخلص المحبة! فهذه وَصْفَةُ الإيمان جاهزة من صيدلية الرحمن؛ دواء كامل، وشفاء شامل لا يغادر سقما: القرآن! نعم القرآن. فهل فكرتما في وَصْفَةِ القرآن؟ إن تِرْيَاقَ القرآن – للجسم الأُسري خاصة – لا يكون بمنهج التلاوة التبركية فقط، بل يكون أساسا بمنهج التدارس والتدبر الجماعي، كما سنبينه بعدُ بحول الله. عندما يجتمع الزوجان على آيات بينات من كتاب الله؛ تلاوةً وتدارسا وتدبرا؛ فمعنى ذلك أن القلوب قد انفتحت للتلقي عن الله! واستعدت أتم الاستعداد؛ لإعادة ترتيب الوجدان على موازين القرآن ومفاهيم القرآن؛ فإذا بالنور ينـزل ليطهر الخواطر من وساوس الشيطان، ويطرد الغشاوة التضليلية عن الأبصار والبصائر، ويعيد بناء الثقة بين الزوجين، على أحسن مما كانت عليه في أي وقت مضى بإطلاق! وجرب تَرَ النتيجة بعينك إن شاء الله!

قبل هذا وذاك (مجالس القرآن الأسرية) هي لبناء الأسرة على مفاهيم الإسلام، وتكوين الأبناء بمختلف أعمارهم على مواجيد الإيمان، وقيم الدين، والتخلق بجماله وأنواره. إن التربية القائمة على منهج القرآن لهي أيسر الوسائل التربوية، وأضمنها للوصول بالأبوين أنفسهما والأبناء معهما – داخل الأسرة الواحدة – إلى الاستفادة الفعلية من مقاصد القرآن العالية، والتخلق بأخلاقه الراقية! ذلك أن القرآن يربي النفس بصورة تلقائية، لا كلفة فيها ولا تعقيد! بشرط أن يقود الأبوان أنفسُهُما إدارةَ (مجلس القرآن) داخل البيت. فإذن يحصدان نتائج الخير والبركة بإذن الله، بما لا يخطر لهما على بال! لأن ذلك – ببساطة – هو (منهج الفطرة)، حيث تنبت القيم والحقائق الإيمانية في أعماق الأنفس؛ تماما كما ينبت الزرع في الحقل! وتدبَّرْ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية حضور الأبوين في العملية التربوية. قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه!)([1]) ومعلوم أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن القرآن هو ديوان الفطرة! ومن هنا فليس أقدر من كتاب الله تعالى على بناء الأنفس والمجتمعات على الفطرة، أو إعادة بنائها على موازينها، أو ترميمها؛ إذا كان قد حصل فيها انحراف أو ضلال!

وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلون أبناءهم وأهليهم بمعزل عن القرآن، بل كانوا يحضرونهم مجالسَه، ويشركونهم موائدَه، ويعيشون معهم لحظات استدرار أنواره، وأوقات التعرض لأسراره. فهذا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه (كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم!)([2])

وكم من أبٍ، أو أمِّ تعبت وراء السراب؛ بحثاً عن منهج قويم لتربية الأبناء والبنات، فتستغرق ما شاء الله من الأيام، في المطالعات للكتب التربوية، والمتابعات للبرامج التلفزيونية والإعلامية، مسائلةً هذا العالم أو ذاك، وقاصدةً الأخصائيين هنا أو هناك؛ للحصول على وصفة تداوي بها انحراف أبنائها وتمرد بناتها، أو تعنت زوجها، وقسوة حماتها… إلخ! حتى إذا قيل لها ما قيل، وكانت النظريات ذات اصطلاح أنيق، والكلمات ذات ألوان وبريق؛ أخذتها فرحة مسرورة كأنما عثرت على كنز ثمين، لكنها عندما تشرع في التطبيق والتجريب لا تجد من مفهوم التربية فيها إلا السراب! وإنما هي كلمات جوفاء، ونظريات خرقاء! لا تسمن ولا تغني من جوع!

وعجبا لمن يطلب العلاج النفسي، والحل الاجتماعي، في أقصى الدنيا وأبعد الحدود؛ وهذا الشفاء الرباني أقرب إليه من حبل الوريد! القرآن! فهل عرفت – حقيقة – ما معنى القرآن؟ هل حاولت اكتشاف عالم القرآن؟ ذلك هو السؤال الْمُرُّ! الذي يظن أغلب الناس أنهم على قدرة للإجابة عنه بالإيجاب، ولكن أكثرهم – مع الأسف – أبعد ما يكونون عن الصواب!

وليس كتدارس القرآن وتلاوته شيء أنفع وأجدى – في العالم كله – لتمتين العلاقات الزوجية، ورعاية الطفولة، وتربية الشباب! وإن بيتا يُتَدارَسُ فيه القرآن ويتلى لَهُوَ بيتٌ لا يسكنه الشيطان أبدا!

الشيخ فريد الأنصاري – رحمه الله –

——-

[1] متفق عليه.

[2] أورده الهيثمي بمجمع الزوائد في (باب الدعاء عند ختم القرآن) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد: الحديث رقم: 11713.