كنت قد ذكرت في منشور "الهجرة إلى القرآن" أن أول مراحل هذه الهجرة هي مرحلة التعرف على القرآن، إنها مرحلة رفع الغبش والعمش عن القلب لإبصار نور القرآن وإدراك عظمته وجلالة قدره. غالب المسلمين اليوم إلا من رحم الله مؤمنون بكلام الله ككتاب منزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، يتلى في المناسبات، وتزين به رفوف المساجد، وتعقد له المسابقات ، لكن القلة القليلة من هؤلاء المسلمين هي من آمنت بهذا الكتاب الجليل كنور وهدى وفرقان وشفاء وموعظة للمؤمنين ، وكتاب يهدي للتي هي أقوم.. إن التعرف على القرآن مرحلة من الأهمية بمكان، لأنها تفتح أمام الروح آفاقا فسيحة لشهود عظمة هذا النور الرحماني واستمداد القلب من شعاعاته، وإدراك هذه العظمة -بلا ريب- قائد اضطرارا إلى معرفة قدر المتكلم بالقرآن جل جلاله وتقدست أسماؤه. التعرف على القرآن خطوة مصيرية يكابد فيها العبد آلام قلع جذور الغفلة عن القرآن من قلبه، ويصابر فيها لهيب تصدع جنانه بتجليات الفرقان؛ مرحلة يقرر فيها العبد التجرد من هوى النفس ، والميل إلى الأغيار، وزخرف الدنيا، ويؤسس فيها بنيان قلبه على تقوى من الله ورضوان. مرحلة التعرف على القرآن شعارها الانتقال من التعظيم المجمل لكتاب الله جل وعلا إلى التعظيم المفصل له، ومن حال التقديس العامي المغروس في الفطرة المسلمة ، إلى حال التقديس الخاص الذي ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا. سأضرب لكم مثلا أحبتي :لو سئل أحد المسلمين من أهل السنة والجماعة عن الإمام أحمد لوُجد أنه يعظمه ويكن له المحبة والتقدير لأنه ربما طرق سمعه يوما شيء من قصة خلق القرآن؛ ولكن لو قدر الله جل وعلا وطالع هذا المسؤول سيرة هذا الإمام في كتب التراجم المعروفة وأحاط بتفاصيل حياته وجهاده وربانيته، فستتغير الصورة المرسومة في ذهنه عن الإمام وازداد تعظيمه وإجلاله له؛ بل سينتقل من مرحلة التعظيم إلى مرحلة الاقتداء ؛ وسيقوى إقباله على الله جل وعلا بسبب ما غرسته سيرة هذا الإمام في قلبه من العبر والعظات. فما بالك حبيبي في الله لو عومل كتاب الله جل وعلا بنفس الطريقة وفُرٍغ له القلب والعقل وتُدبرت آياته وغاص المسلمون في أسراره وكشف حقائقه؛ لاشك أن النظرة إلى القرآن ستتغير من نظرة تعظيمية سطحية إلى نظرة منهاجية تمثلية لأخلاقه وأحكامه، ولاستحضر المسلم عظمة هذا الكتاب كلما هم بقراءته ، أو نظر إليه أو استمع إليه. لقد آن الأوان أحبتي لنقبل على القرآن ، ونشمر عن ساعد الجد في سبيل التعرف عليه لتفتح لنا مغاليق التدبر وتهون علينا عقبات طريق السير إلى الله. وفي المنشور المقبل إذا أمد الله في العمر انتظروا خطوات عملية للتعرف على القرآن.
رد: التعرف على القرآن (خطوات عملية للتعرف على القرآن) كنت قد وعدت أحبتي بذكر خطوات عملية تعين المهاجر إلى القرآن على التعرف الصادق على القرآن، إذ لا يمكن تعظيم كتاب الله إلا إذا تحقق القلب بحقيقة قدره وعظمته فأقول مستعينا بالله: ١- أول خطوات التعرف على القرآن هو الإكثار من الدعاء والإلحاح على الله بأن ييسر لك سلوك طريق أهل القرآن ، فتتحرى مواطن الإجابة كالسجود وساعة الجمعة وعند نزول المطر ودعاء الوالدين مع لزوم آداب الدعاء .. ومن أدام الطرق يفتح له وعليه. ٢- مداومة النظر في سير أهل الله وخاصته ومحاولة سلوك طريقهم في مكابدة العيش مع التنزيل، بالإضافة إلى كتب أخلاق أهل القرآن كالتبيان للنووي وأخلاق أهل القرآن للآجري ومقدمات تفاسير أهل السنة، وشروح كتب السنة لا سيما أحاديث القرآن وبعض الرسائل النافعة كالطريق إلى القرآن لإبراهيم السكران؛ ينصح بالتسجيل في منتديات نافعة كملتقى أهل التفسير والفطرية والألوكة وملتقى أهل الحديت وغيرها من الملتقيات النافعة والتركيز على المواضيع التي تتعلق بالقرآن وكيفية تدبره والتأثر به والعمل به. ٣- الاستماع إلى محاضرات العلماء الربانيين الصادقين الذي رباهم القرآن ، كمحاضرات الشيخ العلامة مصطفى البيحياوي والرباني فريد الأنصاري والشيخ والعلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي والعلامة محمد المختار الشنقيطي والشيخ المغامسي وغيرهم من الصادقين نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله، إنما مثلت ولم أقصد الحصر. ٤- مداومة التعبد بالخلوات كالقيام بالليل وساعات التفكر والمحاسبة وخبيئة من العمل الصالح لا يطلع عليها إلا الله. ٥- غشيان حلق القرآن ومجالس القرآن ومدارسته وحفظه على الأقل مرة في الأسبوع. ٦- كثرة الاستماع للقرآن لاسيما القراء المتقنون الأمناء على أحرفه وقواعد القراءة والضبط. ٧-التخطيط لحفظ القرآن بوضع برنامج ميسر لا تمل منه النفس ولا تفتر. ٨- أن تجعل في حيز المستحيلات أن يمر عليك نهارك دون النظر في كتاب الله وتلاوة ما تيسر منه. ٩- اتخاذ صفوة من الصحاب والخلان تتعاون معهم على حب القرآن والعمل به والتخلق بأخلاقه. ١٠- تجنب الذنوب ولزوم الاستغفار والتوبة إذ الخطايا من موانع الانتفاع بالقرآن، مع استشعار مسؤولية الانخراط في صف أهل القرآن وأنه حجة للعبد أو عليه. ١١- تجنب الخصام والجدال في الدين لأنه سبب في قسوة القلب وضيق الصدر. هذا ما تيسر والموفق من وفقه الله.