الرئيسية / رسائل الفطرية / عهد القرآن والقيام

عهد القرآن والقيام

القرآن العظيم كلام الله ذي الجلال. وكفى بذلك حقيقة عظمى! وكلام الله جل جلاله، هو وحده الذي يؤجر فيه العبد على تلاوته؛ بعدد ما يتلوه من حروفه؛ حرفا حرفا! ولا خير فيمن هجر القرآن! وقد سبق حديث رسول الله (صلى الله عليه و سلم) في ذلك: (من قرأ حرفاً من كتاب اللَّه فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف!) فإذا قام به من الليل كان له ميزان آخر! كما سترى بحول الله.
إن هذا القرآن سر لطيف، وكنز رباني عجيب، لو تتلوه يا صاح حق تلاوته؛ لرأيت فيه عجبا! ولأبصرت منه بصائر الكون جميعا! فهو جامع الكتب السماوية كلها، وهو خلاصتها الكاملة. فهو (الكتاب)، بما تقتضيه (ال) من معاني الاستغراق. قال عز وجل في فاتحة سورة البقرة: (ألم. ذلك الكتاب)، أي الأكمل الأشمل، الذي ضم بين دفتيه كل الكتب. وفي ذلك من الأسرار ما يدركه أهل البصائر إذ يقرؤون القرآن. فتنجلي لهم سنن، وتتضح لهم معالم، ويشاهدون حقائق. قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) في حديث عجيب حق عجيب: (أُعْطِيتُ مكان التوراة السبعَ الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلْتُ بالمفصَّل)([1]). فهل تقرأ القرآن حقا؟ تحقق قبل أن تجيب! إن كان لا؛ فحاول أن تقرأه! وجرب! وتعلم كيف تصنع، عسى أن تكون ممن (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ. أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ. وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(البقرة:121). اُدْخُلْ باب القرآن متجردا من كل الأحوال؛ إلا حال الإقبال على رب الكون، الله الملك الوهاب! وأبصر في الآيات بصائر الحياة، واقرأ ثم اركع واسجد؛ تكن بحول الله من المبصرين!
تبصرة: في أوقات القرآن

لا شك أن القرآن هو لكل الأوقات، لكن المؤمن لا يعيش حياته ارتجالا. سواء في ذلك عباداته وعاداته. كيف وقد جعل الله علينا فرائضه أوقاتا؟ (إِنَّ الصَّلاَةَكَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)(النساء:103). ومن هنا كان إرشاد الحق عباده الذاكرين إلى أوقات بعينها، باعتبارها ذات جمال خاص للعبادة والذكر. وقد كانت أوقات الأنبياء والصالحين – كما جاء في كتاب الله – تتوزع بين الغداة والعشي ثم الليل. والقرآن هو لتلك الأوقات جميعا. لكن لك أن تختار منها حسب ظروفك وأحوالك. وبعضها طبعا أفضل من بعض، كما سترى بحول الله. فإن كنت بدأت نهارك بورد الأذكار؛ فلكَ أن تجعل ورد القرآن مساءً، أو بليل.
إن قرآن المساء وذِكْرَهُ – كقرآن البكور – له ذوق خاص عند الذاكرين المفرِّدين، كما في كتاب الله. قال عز وجل: (وَ اذْكُر رَّبَّكَفِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ و َالآصَالِ وَ لاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف:205). فالغُدُوُّ هو البُكُور من الصباح، أي أول النهار وبدايته. والآصال، مفرده: أصيل. وهو كما في كتب اللغة والتفسير: (وقت ما بين العصر إلى الغروب). فهو سويعات آخر النهار، حيث يبرد حر الشمس، وتهدأ أشعتها، وتلين أضواؤها، وتطول الظلال وتمتد. ولذلك كان من أجمل أوقات النهار.
فلا غنى لك أخي السائر عن زاد المساء. فهو زاد الأنبياء والصديقين! قال عز وجل: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَوَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِالزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُمَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)(النور:36-38).
وفي هذا الوقت كانت معجزة نبي الله داود عليه السلام تتجلى في مجلس ذكره، حيث تجتمع إليه الطيور للذكر، وتردد معه الجبال التسبيحات! قال سبحانه: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ. وَالطَّيْرَمَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ)(سورة ص:17-19)، وقال تعالى في ذلك أيضا: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً:يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ!)(سبأ:10). ومعنى أَوِّبي: سبحي! والتَّأْوِيبُ: الترجيع والترديد، فهي كانت ترجع معه وتردد التسبيح بوعيها؛ تسخيرا من الله، لا بالصدى. لأن الأَوْبَةَ كالتوبة وَزْناً ومعنى. فالعَشِيُّ أو الأصيل وقت فيه أسرار عجيبة، منها أنه وقت سجود الكائنات من غير الإنسان لله الواحد القهار. قال تعالى: (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًاوَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)(الرعد:15).
ومنها أنه وقت الذاكرين المخلصين الذين يريدون وجه الله تعالى وحده. قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)(الكهف:28).
اجعل لك إذن جلسة قرآنية بالمساء تتلو كتاب الله ذاكرا متدبرا. اقرأ فيها وردك من القرآن العظيم، على ما رتبت على نفسك من الأحزاب والأجزاء، حسب دورة ختمتك للقرآن كل شهر، أو كل أربعين يوما، على حسب ظروف عملك وأعمالك. وقد كان الصحابة يحفلون بختم القرآن بمنازلهم. فعن ثابت أن أنس بن مالك رضي الله عنه (كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم)([2])
وقد ورد في الحديث ضبط مدة الختم أنها – على الأحسن – ما بين شهر وأربعين يوما، وذلك قول رسول الله (صلى الله عليه و سلم): (اقرأ القرآن في كل شهر! اقرأه في عشرين ليلة! اقرأه في عشر! اقرأه في سبع! و لا تزد على ذلك!)([3]). وقال (صلى الله عليه و سلم) أيضا:‌ ‌(اقرأ القرآن في كل شهر! اقرأه في خمس وعشرين! اقرأه في خمس عشرة! اقرأه في عشر! اقرأه في سبع! لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث)([4]). ثم قال عليه الصلاة والسلام: ‌(اقرأ القرآن في أربعين)([5]).

تبصرة في قرآن القيام:

لكن لا تنس حظ الليل من القرآن الكريم! فاجعل جزءا من ورد القرآن صلاة بليل. وإن نشط سيرك فاجعله كله قياما! ذلك خير. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) لعبد الله بن عمر: («نِعْمَ الرّجُلُ عَبْدُ اللّهِ لَوْ كَانَ يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ».قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لاَ يَنَامُ مِنَ اللّيْلِ إِلاّ قَلِيلاً)([6]). وذلك مسلك الربانيين. فانظر إلى هذا المشهد الجميل من قول الله تعالى في وصف المؤمنين من أهل الكتاب الذين أدركوا الإسلام فأسلموا: (لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)(آل عمران:113).
انظر كيف أناروا لياليهم الخضراء بتلاوة القرآن صلاةًبليل! وانخرطوا في حركة سير إلى الله عجيبة تخترق الآفاق، وتستدر من المحبة أنوار الأشواق، في خلوة القرآن! وقال الرب الكريم في وصف أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم) عامة: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ.تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا. سِيمَاهُمْفِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ. وَمَثَلُهُمْفِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىعَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)(الفتح:29). فعجبا لمن يبصر هذا الجمال ولا يلتحق بالركب! عجبا كيف تبطئ يا أخي والسير قد انطلق!
أما أهل العزائم ممن شدوا الرحال، فقد أَدْلَجُوا عبر منازل السُّرَى إلى ديار الحبيب! وأناروا مسالك الليالي بأقمار القرآن، مسافرين إلى الرحمن ركوعا وسجودا، يحدوهم الخوف ألا يكونوا من الواصلين، أو ألا يكونوا من المُفَرِّدين السابقين! قال المصطفى (صلى الله عليه و سلم) يصفهم في حديث يفيض بالأنس والجمال: (من خَافَ أَدْلَجَ، ومن أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ! ألا إن سلعةَ الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة!)([7]) والإدلاج: هو السير بليل، أو السفر الليلي، من الدُّلْجَة: وهي الظلمة. والمقصود طبعا قيام الليل. شبهه بالإدلاج؛ لما فيه من معنى السفر الروحي، وتحليق النفس في فضاءات السير إلى الله.
فيا أيها السالك المحب! إن كنت صادقا؛ فأَحْيِ جزءا من ليلك بالقرآن! وخاصة ثلثه الأخير، وإن لم تستطع فوسطه، وإن لم تستطع فأوله! وكل ذلك أفضل من وقت الأصيل أو البكور. وفي كل خير.
ثم الصلاة بالقرآن خير من تلاوته مجردا عن الصلاة! وكلما اختلى الإنسان بصلاة النافلة كانت أعظم في الأجر؛ حتى تبلغ درجة الفريضة من حيث قيمتها. وذلك بنص حديث رسول الله (صلى الله عليه و سلم)، وهو حديث عجيب لمثله تشد الرحال! قال (صلى الله عليه و سلم): (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين!)([8])
ولذلك يحسن جعل ورد القرآن كله بليل؛ لأنه أضمن للخلوة مع الله جل جلاله، فهو أفضل من الأصيل قطعا وآخر الليل أفضل من أوله، كما هو ثابت في السُّنة. قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول ‌:‌ هل من سائل فيعطى?‌ هل من داع فيستجاب له?‌ هل من مستغفر فيغفر له ?‌ حتى ينفجر الصبح)([9]) ولذلك قال ربنا جل وعلا بنص القرآن العظيم: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْـئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا)(المزمل:6).
ولكن خذ من العمل في ذلك حسب ما تطيق! واشتغل بالأوراد على حسب ظروف عملك، ولا تكلف نفسك فوق طاقتها. وتَحَرَّ من الأوقات ما يعينك على دوام العمل فذلك أفضل. وفي الحديث: (يَا أَيّهَا النّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ! فَإِنّ الله لاَ يَمَلُّ حَتّى تَمَلّوا. وَإِنّ أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ!)([10]) وفي رواية أخرى صحيحة: (اكْلَفُوا من العمل ما تطيقون! فإن الله لا يمل حتى تملوا! وإن أحب العمل إلى الله تعالى أَدْوَمُه وإن قَلَّ!)([11]) وأما الذي يشتغل بالحفظ فورده القرآني إنما هو الاشتغال بمحفوظه ضبطا وإتقانا، والقيام به من الليل قياما. حتى يفرغ من جمع القرآن كاملا. وآنئذ ينخرط في سلك الختمات الكلية.
وقد جوز العلماء لمن غلبه النوم قضاء أوراد القيام صَدْرَ النهار؛ لحديث النبي (صلى الله عليه و سلم) قال: (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللّيْلِ)([12]). لكن لِمَ لا تكون من الذاكرين السابقين؟ بل لِمَ لا تكون من القانتين؟ بل لِمَ لا تكون من المقنطِرين؟ والأمر أيسر مما يصوره لك إبليس تهويلا وتثبيطا؟ ثم كيف لا بَعْدُ؟ وهذا قول رسول الله (صلى الله عليه و سلم) يعرض عليك أجرا يمده بحر الغيب مددا..! يقول (صلى الله عليه و سلم): (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين! ومن قام بمائة آية كتب من القانتين! ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين!)([13])
فلتقم على الأقل بعشر آيات – من غير الوتر – ولا تكن من الغافلين! فسورة (الكافرون) مثلا ست آيات، وسورة الإخلاص: (قل هو الله أحد) أربع آيات، فتلك عشر! لكن أحسن تدبرها وأحسن ركوعها وسجودها! فقد قال عليه الصلاة والسلام: (أيعجز أحدكم أن يقرأ في كل ليلة ثلث القرآن ?‌ إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل ‌”قل هو الله أحد” جزءا من أجزاء القرآن)([14]). وإن أنعم الله عليك يا سالك بمحبته، ومَنَّ عليك بإقبال عزيمة التعبد، وانتهاضها للسير الدائم إليه، المشتاق إلى نور جماله وظل جلاله؛ فقم بسورة في القرآن ذات أسرار خاصة، هي فقط ثلاثون آية! تنفعك في قبرك، فتكون لك فيه حصنا من عذابه – عافانا الله وإياك من عذابه – إنها سورة الملك! أي (تبارك). فهي السورة المنجية من عذاب القبر كما في الأحاديث الصحاح، ولهذا فتسمى أيضا بـ(المانعة). قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم): (سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر)([15]). وقال أيضا: (إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له! وهي:‌ “تبارك الذي بيده الملك“)‌([16]). ومثله قوله (صلى الله عليه و سلم): (سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة! وهي تبارك)([17]).
ولك أن تقوم ليلة الجمعة بسورة الكهف خاصة([18])؛ لما صح في ذلك من فضل هذه السورة لمن قرأها من يوم الجمعة بالليل أو بالغداة. فقد قال (صلى الله عليه و سلم): (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة؛ أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق!)([19]). ومثله قوله (صلى الله عليه و سلم): (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين!)([20]). قال ابن حجر في أماليه مبينا ذلك: (المراد: اليوم بليلته، والليلة بيومها). ولا يخفى عليك فضل صلاة النوافل بالليل على النهار!
ذلك من حق القرآن العظيم عليك، فلا تهمله ولا تهجره! بل اشتغل به ذكرا بالنهار، وقياما من الليل، ثم تدبرا وتفكرا في كل حين! اجعله زاد طريقك، وصاحب سِفَارِك، وخليل خلوتك، ورفيق جلوتك. وعش به وله. واحذر أن تصيبك شكوى رسول الله (صلى الله عليه و سلم) مما حكاه الله في القرآن، إذ قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُيَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)!! (الفرقان:30).
_____________________________
[1]رواه الطبراني والبيهقي في سننه، وصححه الألباني.‌‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1059 في صحيح الجامع‌. ومما يدل على ذلك أيضا قوله (صلى الله عليه و سلم): (خُفِّفَ على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن من قبل أن تسرج دوابه! ولا يأكل إلا من عمل يده). رواه البخاري. فهذا الحديث دال على أن الزبور لم يكن كتابا مطولا، وإنما كان على حجم بعض سور القرآن العظيم من (المئين) كما صرح به النبي (صلى الله عليه و سلم) في الحديث أعلاه. والمئون: هي السور التي عدد آياتها مائة، أو تزيد قليلا، كسورة الكهف مثلا. ولذلك يفهم كيف يكون الزبور مضمنا بكتابنا نحن المسلمين. وهو هنا سماه قرآنا؛ لأن كل كتاب أنزل للتلاوة والقراءة يسمى قرآنا، إلا أن خصوص التسمية عند الإطلاق تقع على ما أنزل على نبينا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و سلم).

[2]أورده الهيثمي بمجمع الزوائد في (باب الدعاء عند ختم القرآن)وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد: الحديث رقم: 11713.

[3]متفق عليه‌

[4]رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو، وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1157 في صحيح الجامع‌.

[5]‌ رواه الترمذي عن ابن عمر‌. وحسنه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 1154 في صحيح الجامع‌.

[6] متفقعليه.

[7]رواه الترمذي والحاكم. وصححه الألباني.انظر حديث رقم‌:‌ 6222 في صحيح الجامع‌.

[8]‌رواه أبو يعلى في مسنده‌ عن صهيب‌ الرومي رضي الله عنه.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 3821 في صحيح الجامع‌.‌

[9]رواه مسلم.

[10]متفق عليه واللفظ للبخاري.

[11]رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وصححهالألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 1228 في صحيح الجامع‌.

[12]رواه مالك في الموطأ، ومسلم في صحيحه.

[13]‌رواه أبو داود وابن حبان‌ عن عبد الله بن عمرو مرفوعا‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 6439 في صحيح الجامع‌.‌

[14]رواه مسلم.

[15]رواه ‌ابن مردويه‌‌ عن ابن مسعود‌.‌وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 3643 في صحيح الجامع‌.‌

[16]‌رواه أحمد والأربعة وابن ‌حبان والحاكم‌‌ عن أبي هريرة‌.‌وقال الألباني:‌حديث حسن‌.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 2091 في صحيح الجامع‌.‌

[17]رواه الطبراني في الأوسط والضياء‌‌ عن أنس‌.‌وحسنهالألباني‌.‌ حديث رقم‌:‌ 3644 في صحيح الجامع‌.‌

[18] بشرط ألا تفرد ليلة الجمعة بالقيام من دون سائر الأيام؛ لنهي النبيe عن ذلك، قال: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم!) رواه مسلم. فإن كان في قيام يقومه يوميا، أو يوما بعد يوم؛ فهو حسن للأحاديث المذكورة أعلاه، ولما هو مفهوم من حديث النهي هذا.
إلا أنه يحسن الإكثار من تلاوة سورة الكهف عموما، خاصة في أزمنة الفتن كزماننا هذا؛ وذلك لما فيها من عصمةٍ للمؤمن من شرها عامة، ومن شر فتنة المسيح الدجال خاصة. فذلك مما وجب على المؤمن أن يؤمن به ويعمل له! فسورة الكهف عظيمة الفضل جدّاً! وقد ورد في فضلها، وفي فضل أوائلها، وأواخرها؛ أحاديثُ كثيرة منها: قوله (صلى الله عليه و سلم): (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال!) رواه مسلم. وفي رواية عنده: (من آخر الكهف). ومن ذلك أيضا أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) لما ذكر الدجال وحذر من فتنته قال (صلى الله عليه و سلم): (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف!‌) رواه مسلم‌.‌ ومثله قوله (صلى الله عليه و سلم): (يا أيها الناس‌!‌ إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض – منذ ذرأ الله ذرية آدم – أعظم من فتنة الدجال! وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال! وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة! (…) وإن من فتنته أن معه جنةً ونارا، فناره جنة، وجنته نار! فمن ابتلي بناره فليستغث بالله! وليقرأ فواتح الكهف!) رواه ابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم، والضياء‌.‌ وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم‌:‌ 7875.
وهي سورة تتنـزل الملائكة على قارئها رحمةً وسكينةً! فعَنِ الْبَرَاءِ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ. وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ[أي: بحبلين]. فَتَغَشّتْهُ سَحَابَةٌ. فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو. وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا. فَلَمّا أَصْبَحَ أَتَىَ النّبِيe. فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: «تِلْكَ السّكِينَةُ. تَنَزّلَتْ لِلْقُرْآنِ»متفق عليه.وقد وردت هذه القصة مفصلة عند مسلم فيما رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ رضي الله عنه؛ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ؛ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ. فَقَرَأَ؛ ثُمّ جَالَتْ أُخْرَىَ! فَقَرَأَ؛ ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً! قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَىَ. [يعني ابنه الصغير] فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظّلّةِ فَوْقَ رَأْسِي، فِيهَا أَمْثَالُ السّرُجِ! [ج. سِراج: وهي المصابيح]عَرَجَتْ فِي الْجَوّ حَتّى مَا أَرَاهَا! قَالَ فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللّه (صلى الله عليه و سلم)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي! فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه و سلم): «اقْرَأ ابْنَ حُضَيْرٍ!» قَالَ: فَقَرَأْتُ؛ ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً! فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه و سلم): «اقْرَأ ابْنَ حُضَيْرٍ!» قَالَ: فَقَرَأْتُ؛ ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً! فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه و سلم): «اقْرَأ ابْنَ حُضَيْرٍ!» قَالَ: فَانْصَرَفْتُ. وَكَانَ يَحْيَىَ قَرِيباً مِنْهَا، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ. فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظّلّةِ. فِيهَا أَمْثَالُ السّرُجِ. عَرَجَتْ فِي الْجَوّ حَتّى مَا أَرَاهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه و سلم): «تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ! وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النّاسُ، مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ!» رواه مسلم.

[19]رواه البيهقي في السنن، وفي شعب الإيمان، ورواه الحاكم بلفظ قريب منه. وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم:‌ 6471.

[20]رواه الحاكم والبيهقي في السنن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم‌:‌ 6470.

4 تعليقات

  1. هذه تجربه شكل التعليقات

    آضف بعض النص هنا للتجربه و بيان شكل النصوص في منطقه التعلبقات

  2. هذه تجربه شكل التعليقات

    آضف بعض النص هنا للتجربه و بيان شكل النصوص في منطقه التعلبقات

  3. هذه تجربه شكل التعليقات

    آضف بعض النص هنا للتجربه و بيان شكل النصوص في منطقه التعلبقات

  4. هذه تجربه شكل التعليقات

    آضف بعض النص هنا للتجربه و بيان شكل النصوص في منطقه التعلبقات